سيرة العارف بالله الشيخ بدر الدين الحسني

www.mika2eel.com -

Share selected track on FacebookShare selected track on TwitterShare selected track on Google PlusShare selected track on LinkedInShare selected track on DeliciousShare selected track on MySpace
Download

بسم الله الرّحمَن الرحيم

. كلامُنا عن الصفاتِ الخَلقيةِ والخُلُقية للعارف بالله

مُحَدِّثِ بلاد الشام الشيخِ بدر الدِّين الحسنيّ رحمَه الله.

كان رحِمَه الله رَبعةً نحيلا أشقرَ الشعر قليلَ شعرِ الوجه

 خفيفَ العارضين مستديرَ الوجه، في جَبهتِه ارتفاعٌ من أثرِ السجود،

 أزرقَ العينين فيهما حِدّة، وفي وجهه نور وعليه سِمَاءُ المهابةِ والنّجابة،

 أبيضَ البشرة ليِّنَها حتى قيلَ في يديه إنّهُما كالحرير لينًا والفِضّةِ بياضا،

 حادَّ الذكاء متوقِّدَ الذِّهن قويّ الذاكرة يتذكرُ بسهولة جميع ما مرَّ عليه

 من حوادث ومن رأى من الناس على كثرتِهم،

 كأنّ ذلك صُقِّرَ في ذاكرتِه وظلَّ كذلك حتى وافاه الأجل،

 قويّ البنية لم يَشْكُ مرضًا سوى مرةٍ واحدةٍ في شبابِه أصابَهُ فيها اليرقان،

 ومرةًً أخرى قُبيلَ وفاته، ولم يستعملْ نظارة وبقي جهورِيَّ الصوت خفيفَ المِشية،

 لم يستعملْ في مشيِه عصا إذا التفت التفتَ جميعا،

 يلبسُ من الثيابِ الجيِّدَ النظيف، ولا يلبسُ الزِّيَّ الذي يُميِّزه عن غيره،

 يلبس ثوبًا قطنيًّا أبيض مشقوقَ الوسط معلَّمًا بخطوطٍ زُرقٍ

 من النوع الذي يسميه الدِمشقيون (الصايا) أو (الديما)،

 يتركه مفتوحًا لا يزرُّه عند الرّقبة يضعُ فيها مِنديلا،

 ويشدُّ في وسطِهِ نِطاقًا عريضًا من الشال الخفيف العادي

 وعلى الثوب جُبَّةٌ من الجوخِ الأسودِ الجيّد

 وكلاهما لا يتجاوزُ نِصفَ ساقِه إتباعًا للسُّـنَّةِ الشريفة

 ويتعمّمُ بعِمامةٍ كبيرةٍ صفراء مطرّزةٍ تُعرَف في الشام

 بالأغباني يكوِّرُها فوق طربوشٍ بدونِ تكلُّف،

 ويلبسُ جوربين سميكين أبيضين وبابوجًا أصفر تزينُهُ نظافةٌ واضحة.
وكان ورِعًا شديد الورع،

 لا يفتي أحدًا بحكمٍ فقهيٍّ في المعاملات الخاصة إلا في ما ندر،

 بل يحيلُ سائلَهُ إلى تلميذٍ من تلامِذتِه، وكان ينهى من يمتدحُه بحضرتِه،

 يؤنِسُ الفقراء والمساكين ويزورهم أحيانا

 ويسأل عن أحوالِهم ويقفُ لهم ويطلبُ منهم الدعاء،

 يزورُ مدارسَ الصغار ويمسحُ رؤوسَ الأيتام ويسألُهم ومعلِّميهم الدعاء

 ويكرمُهم في الأعيادِ والمناسبات ويؤنسهم،

 ويزور السجون وينصحُ السجناء ويعِظُهُم بالحسنى ويدعو المظلومَ منهم للصبر.

 ولتواضِعِه لم يُصلِّ إمامًا قط ويأتَمُّ بأصغرِ تلاميذِه،

 يمحو اسمَه عمّا خلَّفَ من كتبٍ وشُروحٍٍ إذا نُشِرَت لينتفعَ بِها الناس،

 لا يُحبُّ أن يتصدَّرَ المجالس بل يجلسُ قربَ بابِ الغرفة.

 كان رحمَه الله عاليَ الهمة لا يُمَكِّنُ من خدمتِه أحدا

 ولم يستعِنْ في حياتِه بأحد ولا بالعصا، يأخذُ نفسَه بالعزائم.

 وكان زاهدًا أقبلت عليه الدنيا فنفرَ منها،

 تركَ له والدُه ثروةًً حسنة وابتعَدَ عن الوظائفِ والمناصبِ والجاه،

 فزهِدَ في زيارةِ إمبراطور روسيا الأخير القيصر نيقولا

 واعتذرَ عن دعوةِ السلطان عبد الحميد والسلطان رشاد

 فكان لا يزورُ الحكّام بل يزورونَه وكان يتحرَّجُ من قَبول الهدية،

 وكان كريمًا يبالغُ في إكرامِ ضيوفِه ويتباسطُ في الكلام معَ البسطاء،

 وكانت أسرتُهُ كبارُها وصغارُها تحبُّه وتعظِّمُه وتُطيعُ أوامرَه،

 ويصلُ الأرحام لا ينسى أصدقاءَه ولا معارفَه القدامى ورُبّما زارَ غيرَ المسلمين،

 ويُكثِرُ التودُّدَ للناس كافة ويُدخِلُ السرورَ إلى قلوبِهم،

 ويهتمُّ بأمورِهِم.
كان رحمَه الله طيِّبَ السريرة، حسَنَ الظنِّ بالناس،

 يلتمسُ لهم الأعذارَ المختلفة وكان يعاملُ الناسَ كلاًّ بِما يليقُ به ويناسبُه،

 حكيمًا في وضعِ الأمورِ في مواضِعِها يُعطي كلَّ مجلسٍ ومُجالِسٍ حقَّه،

 وينزِلُهُ مجلسَه، فمع الحكّامِ النصيحةُ والجرأة ومع الفقراءِ التواضعُ والرِّقة،

 ومع الوجهاء الحفاوة، ومع الشيوخِ الاحترامُ والإكرام،

 ومع الشباب التودُّدُ والتقرُّب،

 ومع غير المسلمين اللطفُ وبيانُ محاسنِ الإسلام

 وأخلاقِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابتِه الكرام.

 وكان مُشرقَ الوجهِ دائمًا يبدأ بالتحية ويجاري عاداتِ أهلِ عصرِه ما حَسُنَ منها،

 قليلَ المشاركة في الولائمِ والدعوات يعتذرُ عما كان منها للفخرِ،

 وكان عارفًا بالله متذَوِّقًا للنفحاتِ الصوفية يغوصُ في مكنوناتِ علم التصوِّفِ بدقّة،

 وكان يربِّي مريديهِ بالنظرِ دون الكلام.

عاصرَ الشيخُ بدرُ الدِّين رضيَ الله عنه أواخرَ العهد العثماني والعهدَ الفيصليّ،

 وزمَنًا من الانتدابِ الفرنسي،

 فكان يسألُ دائمًا عن أحوالِ المواطنين وعن أسعار أقواتِهم وهمومِهم،

 وكان العارفُ بالله الشيخُ بدرُ الدِّين الحسنيّ يشجِّعُ العلومَ الحديثة

 وهو لهذا يزور المدارس الرسمية ويحضُرُ بعضَ دروسِها في الطبيعيَّات وغيرِها،

 ويناقشُ الأساتذةَ ويسألُ الطلاب.

كان رحمَه الله تعالى مرِنًا كلَّ المرونةِ في مناقشاتِه مع الطلاب،

 يُصغي لهم ولأرائهِم بإدراكٍ واسع، يكتنفه تحقيقٌ وذهنيةٌ علميةٌ عجيبة،

 ومحاكمةٌ منطقيةٌ سديدةٌ متأمِّلة.

 درَّسَ رحمَه الله في جامعِ السادات بسوق مدحت باشا،

 يفتتحُ الدرسَ بحديثٍ شريفٍ

من صحيحِ البخاريّ ثم يشرحُه ويلمُّ بجوانبِه وبكلِّ ما يتّصلُ به من علوم،

 يُلقيهِ بأسلوبٍ عذبٍ جذّاب،

 ولما ضاقَ بدرسِه المسجد انتقلَ إلى جامعِ سِنان باشا فكان له درسان مساءَ الأحد

 والخميس من كلِّ أسبوعٍ بين العِشاءين،

 وفي سنة ألفٍ ومائتين وثمانٍ وتسعين هجرية أوكِلَ

 إليه تدريسُ الحديث الشريف في الجامعِ الأموِيّ فأجادَ في هذه الدروس

 حتى بلغَ الغاية فملكَ على السامعين نفوسَهم

 ولم يتركْ علمًا من العلوم المنقولةِ والمعقولةِ إلا وذكرَ شيئًا منه

 غيرَ معتَمِدٍ على كتابٍ ولا ورقة،

 ينطِقُ بفصاحةِ لهجة وحسنِ بيان وفي كلام سهلٍ قريبِ المأخذ وصوتٍ جهوريّ،

 وكان يخصصُ لطلاب العلم والعلماء دروسًا عامة

 يلقيها في دارِه بعدَ المغرب إلى ما بعدَ العشاء بقليل،

 يجتمعُ فيها من الحضورِ ما يزيدُ على المائةِ قليلا،

 في قاعةٍ أعِدَّت لذلك،

 وحينما حجَّ الحجّةَ الأولى سنة ألفٍ وثلاثمائةٍ وثمانية عشرةَ هجرية أخذَ عنه علماءُ

مكّةَ المكرّمة فاجتمعَ عندَه كثيرون وخاصةً من الهنود فدرسوا عليه بعضَ كتبِ الحديث

 ولما زارَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حَجّتِه الأخيرة جاءَه الناسُ أفواجا

 فلم يبقَ في المدينةِ المنوّرةِ عالِمٌ ولا طالبُ علم إلا أخذَ عنه أو استجازَه.

نقفُ ههنا ونضرِبُ لكم موعدًا جديدًا نتكلّمُ فيه

عن مؤلفاتِ ومأثور أقوالِ الشيخِ بدر الدين الحسنيّ رحمَه الله،

 فإلى اللقاء بإذن الله.