إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ولا مثيلَ له، تَنَزّهَ الله عن الجسمِ والصورة والشكل والأعضاء والأدوات، تنزّه الله عن صفاتِ خَلقِة فهو الخالق وما سواه مخلوق، وهو الأول الذي لا بداية لوجوده وما سواه حادث، هو الواحد الذي لا شريك له في الألوهيّة ولقد صدق الله العظيم بقوله:" قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ {1} اللهُ الصَّمَدُ {2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ {4}"وأشهد أن سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرّةَ أعيُنِنا محمّدا عبدُه ورسولُه وصفيه وحبيبه، صادقٌ في كل ما يُبلغه عن ربه، لا يُخطىء في ذلك ولا يجوز عليه الخطأ في ذلك، بلّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمةَ فجزاه الله عنا خيرَ ما جزى نبيًّا من أنبيائه، اللهم صَلِّ وسلِّم وبارك وأكرِم وأعظِم على سيدِنا محمّدٍ طِبِّ القلوبِ ودوائِها وعافيةِ الأبدانِ وشفائِها، ونورِ الأبصارِ وضيائها، اللهم صلِّ وسلم على سيدِنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.

أما بعدُ عبادَ الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ القدير وبالثباتِ على عقيدة الأنبياءِ والمرسلين وبالاقتداءِ بهم وبالتّخلُّقِ بأخلاقِهم وأخذِ العِبَرِ مِن سلوكهم، فلقد قال الله تعالى:" أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ"، فلقد حدثناكم في الأسبوعِ الماضي عن سيدِنا موسى عليه السلام، عن سلوكِهِ وأخلاقِه وءادابِه وكيف كان موقفُه معَ الامرأتين من مساعدتِهما بسَقْيِ غنمِهما، فبعدَ أن سقَى غنمَ المرأتينِ رجَعتَا إلى أبيهِما نبيِّ الله شعيبٍ عليه السلام وأخبرتَاه بخبرِ موسى وكيف سقَى لهما غنمَهما وأخبرتاه بقوَّتِه حيث رفعَ حجرَ البئرِ الذي يحتاجُ لعشَرةِ رجالٍ لرفعه، رفعَه موسى وحدَه بقوّته التي منّ الله عليهِ بها، فالله هو الخالقُ القادرُ هو الذي أقدرَنا على أعمالنا، فَرَفْعُ الحجَرِ الصغيرِ أوِ الكبيرِ كلُّه بخلقِ الله، فالله يقول:" واللهُ خَلَقَكُم وَمَا تَعْمَلُون" فما فعلَه موسى هو بخلقِ الله تعالى رَفَعَ الحجرَ الكبيرَ وسقَى غنمَ الامرأتين فأخبرتَا أباهما بفعلِه، أي بفعلِ موسى وقوّته وأخلاقِه وطلبتا منه أن يُكرمَه على هذا الصنيعِ الحسنِ معهما فَسُرَّ نبيُّ اللهِ شعيبٌ عليه السلام بحُسنِ صنيعِ موسى وبعثَ إحدَى ابنتَيه هاتَينِ لدعوته إليه فجاءتْ إلى موسى عليه السلامُ تمشي على استحياءٍ ووقارٍ وحِشمة وطلبتْ منه أن يذهبَ معها إلى أبيها ليجزيَه على عظيم صنعه معها ومع أختها وعلى سقيه غنمَهما، فقام معها موسى عليه السلام وقال لها: امشِي خَلفي وانعَتِي ليَ الطريق أي صِفي ليَ الطريق فإني أكره أنْ تصيبَ الريحُ ثيابَك فتصفَ جسدَكِ، وهذا يدلُّ على شدةِ عفتِه عليه السلام، نعم هذه هي صفةُ أنبياءِ الله تعالى الصدقُ والأمانةُ والشجاعةُ والعِفة، ليس في الأنبياءِ مَن هو رذيلٌ يختلسُ النظرَ إلى النساءِ الأجنبياتِ بشهوة، اللهُ تعالى عصمَهم وحفِظَهم من ذلك، فمشَتِ الامرأةُ  خلفَ موسى كما طلب منها، تصِفُ له الطريقَ حتى وصلَ إلى أبيها شعيبٍ عليه السلام، فلما جاءه أخبرَه بأمرِه مِن حينِ وُلِدَ والسّببِ الذي أخرجَه من أرضِ مصر، فلما سمعَ نبيُّ اللهِ شعيبٌ خبرَ موسى عليه السلام طَمْأنَهُ قائلا له: لا تخفْ نجوتَ منَ القومِ الظالمين، لأنه لا سلطانَ لفرعونَ وجُندِه في أرضِ مَدين، يقول الله تعالى في القرءان العظيم:" فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " وطلبتْ إحدى الفتاتين من والدِها شعيبٍ عليه السلام أن يتّخذَ موسى عليه السلامُ أجيرا عندَه لقوتِه وصدقِه وأمانتِه، قائلةً له :" يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ" وإنما سَمَّتْه قويًّا لرفعِه الصخرةَ العظيمةَ وحدَه عن رأسِ البئر، وسمته أمينا لأنه أمرها أن تمشيَ خلفَه عندَما جاءتْه تدعوه إلى المجيءِ إلى أبيها، وأخبرتْ أباها بما فعلَ معها عندما دعتْه إليه، فسُرَّ أبوها شعيبٌ عليه السلام لأمانةِ موسى وورعِه فما كانَ مِن شعيبٍ عليه السلام إلا أن ردَّ الإحسانِ بالإحسانِ ورغِبَ فيه وزوّجَه ابنتَه ( صَفُّورَا )، التي أحضَرَتْه على أن يرعَى له الغنمَ ثمانيَ سنين يكونُ فيها أجيرا عندَه وإن شاء يُتمِّمُها موسى عليه السلام عشرًا، ولكنَّ موسى عليه السلام أتم المدةَ كلَّها وهي عشْرٌ تَفَضُّلا منه.

إخوة الإيمان يقول الله تعالى:" هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلا الإحْسَان"، فبعدَ سماعِكم هذه القصةَ التي حصلتْ بينَ نبيِّ الله موسى عليه السلام ونبيِّ الله شعيبٍ عليه السلام خذُوا العبرةَ تَلِي العِبَرَ العظيمة منها، ومن هذه العبرِ أن شعيبًا زوَّجَ ابنتَه ممن تأكَّدَ من أمرِ دينه، وأن هذا هو الأساس، وهذا ما جاء أيضا على لسانِ خاتَمِ النبيينَ محمّدٍ صلى الله عليه وسلم، حيث قال:" إذا جاءَكُم مَنْ تَرْضَونَ دِيْنَهُ وخُلُقَهُ فأنْكِحُوه إلا تَفْعُلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرضِ وفسادٌ عَرِيض" أي فسادٌ كبير. رواه البيهقي.

أما اليومَ فكثيرٌ منَ الآباءِ لا ينظرونَ إلا إلى المالِ فَقَط، سَلْ أوّلا عنْ دِيْنِ هذا الشابِّ الذي جاءَ يخطِبُ ابنتَكَ أي هل هو مُتمَكِّنٌ بأمرِ الدِّين، تعلّمَ ما أوجبَ اللهُ عليه، هل يُصلِّي الصلواتِ الخَمس، هل يُراعي أمرَ الحلالِ والحرام، لِتَضَعَ ابنتَك بينَ يَدَيْ إنسانٍ يَتّقِي اللهَ ويخافُ اللهَ عزّ وجلّ، نعم يتقي اللهَ، يخافُ الله  عزّ وجلّ وهذا هو الأساس.

نسأل اللهَ تعالى حُسنَ الحالِ وحسنَ الختام، وحسنَ الاقتداءِ بالأنبياء والأولياء والصالحين، إنّه على كلِّ شيء قدير.

هذا وأستغفر الله العظيم