إنَّ الحمد لله نحمدُه ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهْدِ اللهُ فلا مضِلَّ له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه. من بعثه اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً. بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصحَ الأمّةَ فجزاهُ اللهُ عنّا خيرَ ما جزى نبياً من أنبيائه. صلواتُ اللهِ وسلامه عليه وعلى كلِّ رسول أرْسَلَه.

أما بعد عباد الله فإني أوصيكم بتقوى الله. يقول الله تعالى:" {7} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ {8}".

عبادَ الله، كل ساعة تمرُّ على الإنسان ولا يذكرُ اللهَ فيها تتقطّعُ نفسُهُ عليها حسَراتٍ يومَ القيامة، فكيف إذا مرَّتْ ساعةٌ معَ ساعةٍ ويومٌ معَ يومٍ.

 

عباد الله، هذا شهرُ التوبةِ قد ءابَ، شهرُ الزهدِ وكسرِ النفس، شهرُ صفاءِ الروح، فبادرْ يا عبدَ الله لأن تشغلَ أيامك وأنفاسك بطاعة الله، لأن من لم يشغلِ الفراغَ بما يعنيه شغلَهُ الفراغُ بما لا يعنيه.

لهذا، وحبا بالله نعرض عليكم ماذا ينبغي على الصائم أن يفعل في يومه:

عند الصباح استفتِحْ بذكر الله وقلْ:" بسمِ اللهِ الذي لا يضرُّ معَ اسمِه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماء وهو السميعُ العليم"، قلها ثلاث مرات صباحا ومساءً، فقد ورد عن حبيبنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم أن من قالها ثلاثا لم يضرَّه شيء. ثم ردِّدْ يا أخي في الله أورادَ التحصين التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن شاء الله، يَدفعُ الله بها عنك أذى الإنس والجن.

ثم بادر إلى صلاة الصبح في جماعةٍ فلقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من صلى الصبحَ في جماعةٍ كانَ في ذِمَّةِ الله حتى يُمسي" وكن أخي المسلم مع الذين يشاركون في حضور مجالس علم الدين التي تكون بعد صلاة الفجر والعصر والعشاء.

 

ثم بعد ذلك يأتي وقتُ العملِ الدنيوي، فلا تغفل أن يكون عملُك الدنيويُّ بنية صالحةٍ بنيةِ تحصيل النفقةِ الواجبة على زوجتك وأولادك. اِتَّقِ اللهَ في عملك، فلا تكذب، ولا تَغُشّ، وتمثّل بقول خيرِ الخلق وحبيبِ الحقِّ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:" الصيام جُنّة، فإذا صام أحدُكم فلا يرفُثُ ولا يجهل، وإن امرُؤٌ قاتلَه أو شاتمه فليقل إني صائمٌ إني صائم".

هذه هي الأخلاق التي أمرنا بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فالتزم بالأخلاق الحسنة، ففي رمضانَ أبواب الجنان تُفتَّح، وأبوابُ النيران تُغَلّقُ والشياطينُ تُصفّدُ، فإياك وسبابَ المسلمين وشتمَهم ولعنَهم بحجة أنك صائم، اتق الله يا عبد الله.

بطاعة الله تحلو الأوقاتُ، ويُهوِّنُ الله عليك ألم الجوع والعطش، وتنقضي الساعاتُ ويؤذّن لصلاة العصر، فاذهب أنت وجارُك، أنت وصاحبُك، أنت وولدُك إلى صلاة العصر في المسجد، ثم متّع قلبك وأذنَيْك بسماعِ درسِ العصر من أفواه من تلقى علم الدين، من أناس ثقات، حتى تستزيد من الأجر والثواب وتأخذَ من دار الفناء لتَعْمُرَ دار البقاء، واحذر من الذين يحرفون الدين ويشبهون الله بخلقه ويكفرون المسلمين بغير سبب.

من حاز العلم وذاكرهُ     سعِدت دنياهُ وءاخرتُه

فأدم للعلم مذاكرةً         فحياةُ العلمِ مذاكرتُه

بعد الدرسِ اذهَبْ إلى بيتِك وعَلِّم أهلَكَ ما تعلمتَ وساعدْهم في إعداد الطعام، وكنْ عَوْنا لأهل بيتك ، ولاقهم بالبِشر والخطاب الجميل، وخفف عنهم بالكلام الجميل التعبَ المُضْني مقتديا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهنا نصيحةٌ لوجه الله تعالى وهي أن تتركوا التنعمَ وأن تتركوا الإكثارَ من أنواعِ الأطعمةِ فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الاقتصادُ نصفُ المعيشة".

وما أحلى أن تُرسلَ من طعامِك وشرابِك لجارك الفقير، لمحتاج تعرفه، تكرمه لوجه الله، تُفطِّر صائما فتكسب من الأجر والثواب فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من فطّر صائمًا فَلَهُ مثلُ أجرِه من غير أن يَنقُصَ من أجرِ الصائم شىء" ولو كان إفطارُك له على حبة تمر، والمعنى أنه يحظى بثوابٍ يُشبِهُ ثوابَه، وليس المعنى أنه يأخذُ ثوابا يساويه من كل الوجوه.

وبعدَ أن تتأكدَ من دخولِ الوقتِ بمراقبة غروبِ الشمس أو بسماعِ مؤذنٍ ثقةٍ يعتمد على المراقبة، عَجِّلْ بالفطر لحديث:" لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما عجَّلُوا الفِطر". وقل:" اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله".

واجعل فطورك على تمر فإن لم تجد فعلى ماء ثم قم إن شئت قبل إتمام الطعام لصلاة المغرب، وبعد إتمام الإفطار قم بهمة ونشاط إلى المصلى لصلاة العشاء وقيام رمضان، وأكثر من قراءة القرءان وإياك أن تضيع وقتك على التلفاز تنقلُ من محطة إلى أخرى.

بل قم إلى مضجعكَ وذلك بعد صلاة التراويح وقل: اللهم باسمك أَموتُ وأحيا، لِتَقْوَى على الاستيقاظ بعد منتصف الليل لصلاة التهجد وقراءة القرءان ثم النومِ بعد ذلك ثم الاستيقاظِ للسُّحور فإن في السّحور بركة.

وهنا أذكركم بفرضٍ من فرائض الصيام، بتبييت النية قبل الفجر. وذلك بأن تقول في قلبك نويتُ صومَ يوم غدٍ عن أداء فرضِ رمضان هذه السنة إيمانا واحتسابا لله تعالى.

وكما أذكّركم بدفع زكاة الفِطْر لمن لم يدفَعْها. فيجب على الرجل أن يدفع عن نفسه وعن زوجته وأولاده الصغار الذين هم دون البلوغ أما من بلغ منهم فلا يجب عليه أن يدفع عنهم، وكذلك يجب عليه أن يدفع زكاة الفطر عن أبويه إن كانا فقيرين. وزكاة الفِطر هي عن كلِّ واحدٍ صاعٌ من غالب قوتِ البلدِ إذا فضلت عن دَيْنِه وكسوته ومسكنه وقوتِه وقوتِ من عليه نفقتُهم يومَ العيدِ وليلتَه وينوي عند دفعها بأنها زكاة بدنه. ومن أراد دفع القيمة فليدفع عن كل واحدٍ ثلاثة دولارات تقريبا وإن دفع زيادة عن القدر الواجب ينوي بالزيادة الصّدقة. والأفضل دفع زكاة الفِطرة قبل صلاة العيد ويكره بعدها ويحرم تأخير دفعها إلى ما بعد غروب شمس يوم العيد. ويجوز إخراجها في رمضان ولو في اوّل ليلةٍ منه.

واعلم يا أخي أن كل ليلة من ليالي رمضان يحتمل أن تكون ليلة القدر، فأكثر من الدعاء والصلاة في كل ليلة وخاصة في العشر الأواخر من رمضان، فالعبادة في ليلة القدر خير من عبادة ألف شهر.

وأخيرا أحذركم مما يسمى بخيم رمضان، حيث اللهو والمعاصي وأنصحكم بزيارة الأقارب، وصلة الرحم.  نسأل الله تعالى أن يتقبل منا صلاتنا وصيامنا  وركوعنا وسجودنا.

هذا وأستغفر الله لي ولكم