إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضلَّ له ومنْ يُضلل فلا هادِيَ له . وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضدَّ ولا نِدَّ ولا مكانَ ولا هيئةَ ولا صورةَ ولا شكلَ له جلَّ ربي لا يشبِهُ شيئًا ولا يشبِهُهُ شىءٌ ولا يحل في شىء ولا ينحلُّ منه شىءٌ ليسَ كمثله شىءٌ وهوَ السميعُ البصير، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرَّةَ أعيُنِنَا محمّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَن أرسلَه اللهُ رحمةً للعالمينَ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلَّغَ الرِّسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جَزَى نبيًّا مِن أنبيائِه.

يـا ربَّنَـا يـا إلَهِي خالـقَ البَشَـرِ

صَلِّ وسَلِّم على المختارِ مِن مُضَرِ

يا ليلةَ المولدِ الزَّهراءَ كم شَرَفًا

حَوَيْتِ بالمصطَفَى المختارِ مِن مُضَرِ

يا ليلةً مِن سَنَاهَا قد حَوَتْ شَرَفًا

بالمصطفى سَيّدِ الأملاكِ والبَشَرِ

إنْ كانَ موسى سَقَى الأسباطَ مِن حَجَرٍ

فإنَّ في الكفِّ معنًى ليسَ في الحجَرِ

إنْ كانَ عيسى بَرا الأعمَى بدعوتِهِ

فـكم بتَفْلَتِهِ قـد ردَّ مِن بصَـرِ

صلى عليكَ إلهُ العرشِ ما صدَحَتْ

وُرْقُ الحمامِ وهبَّتْ نسمةُ السَّحَرِ

الصلاةُ والسلامُ عليك يا سيِّدَ البشَر

الصلاة والسلام عليك يا فخرَ ربيعةَ ومضر

الصلاة والسلام عليك يا مَنِ انشقَّ له القَمَر

الصلاة والسلام عليك يا مَن سعَى لخدمَتِهِ الشَّجَر

الصلاة السلام عليك يا صادق

ويا صفوةَ الكريمِ الخالِق

الصلاة والسلام عليك ياسيِّدِي

يا صاحبَ الذِّكْرَى يا محمّـد

الصلاة والسلامُ عليكَ يا خيرَ الخلائِــــق ويا مُظهِرَ الحقائِق

أما بعدُ عبادَ اللهِ فإني أوصيكُم ونفسِي بتقوى اللهِ العليِّ القديرِ القائِلِ في مُحكم كتابِه:" مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا " الأحزاب/40 .

إخوةَ الإيمان إنها الذِّكرَى التي نَنْتَظِر، ذِكرى ولادةِ أفضَلِ الخَلْقِ وحبيبِ الحقِّ سيِّدِنا محمَّدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، فلقد سُئِل صلى الله عليه وسلمَ عن صومِ الاثنينِ فقال:" ذاكَ اليومُ الذِي وُلِدتُّ فيه وأُنزِلَ عليَّ فِيه " .

وأخرجَ أحمدُ في مُسنَدِه عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا: " وُلِدَ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم يومَ الاثنينِ ونُبِّىءَ يومَ الاثنين وهاجرَ يومَ الاثنين ودَخَلَ المدينةَ يومَ الاثنينِ وماتَ يومَ الاثنين" .

فالاحتفالُ بمولِدِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ والحديثُ عن ولادَتِهِ وقِصَّةِ رَضاعِهِ ونَشأَتِهِ وسيرَتِهِ وأخلاقِهِ وصفاتِهِ وحالِهِ هذا كلُّه يزيدُ العاشقينَ لمحمَّدٍ عِشقًَا لمحمَّد، يزيدُ المُحِبِّينَ لمحمَّدٍ حُبًا لمحمَّد، ويزيدُ المشتاقينَ لمحمَّدٍ شوقًا لمحمّد، فليلةُ المولدِ ليلةٌ شريفةٌ عظيمةٌ مباركةٌ ظاهرةُ الأنوارِ جليلةُ المقدارِ ظهَرَ فيها منَ الفضْلِ والخيرِ والبرَكةِ ما بهرَ العُقولَ والأبصارَ فلمّا كانتِ الليلةُ التي وُلدَ فيها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ ارتَجَسَ إيوانُ كِسرَى وسقطَ منهُ أربعَ عشْرةَ شُرْفَةٌ وخَمَدَتْ نارُ فارسٍ ولم تَخْمُدْ قبلَ ذلكَ بألفِ عامٍ وجفَّتْ بُحيرةُ ساوه.

وفي سقوطِ أربعَ عشرةَ شُرفةً إشارةٌ إلى أنَّهُ لم يَبْقَ مِن ملوكِ الفُرسِ إلا أربعةَ عشَرَ مَلِكًا وكانَ ءاخرُهم في خلافةِ سيّدِنا عثمانَ رضي اللهُ عنه.

وأما نارُ فارسَ التي كانُوا يعبدُونها مِن دونِ اللهِ والتي كانتْ تُوقَدُ وتُضرَمُ ليلاً ونهارًا فانطفأت.

وأما بحيرةُ ساوه التي كانت تسيرُ فيها السُّفُنُ فقدْ جفَّ ماؤُها.

ومنَ الآياتِ التي ظهرتْ لمولدِهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ أنَّ إبليسَ حُجِبَ عن خبرِ السماءِ فصاحَ ورنّ رنَّةً عظيمةً كمَا رنَّ حينَ لُعِنَ وحينَ أُخرِجَ منَ الجنةِ وكذلك رنَّ حينَ نزلتِ الفاتحةُ.

قالتْ ءامنةُ بنتُ وَهْبٍ: فلمَّا وضعْتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ رأيتُه رافعًا رأسَه إلى السماءِ مُشيرًا بإصبَعِهِ فاحتمَلَهُ جبريلُ وطارتْ به الملائكةُ ولفَّهُ ميكائيلُ في ثوبٍ أبيضَ منَ الجنةِ وأعطاهُ إلى رضوانَ يزقُّهُ كما يَزُقُّ الطيرُ فَرْخَه وكنتُ أنظُرُ إليه كأنَّه يقولُ زِدْنِي فقالَ لهُ رِضوانُ يكفيكَ يا حبيبَ اللهِ فمَا بَقِيَ لنبيٍّ عِلمٌ وحِلْمٌ إلا أوتيتَهُ فاستمسِكْ بالعُروةِ الوُثْقَى، منْ قالَ مقالتَكَ واتَّبعَ شريعَتَكَ يُحشَرُ غدًا في زُمرتِك، وإذا منادٍ ينادي: طوفُوا بهِ مشارِقَ الأرْضِ ومغارِبَها واعرضُوهُ على مَواردِ الأنبياءِ وأعطُوهُ صفوةَ ءادمَ ومَعرفةَ شيثٍ ورِقَّةَ نوحٍ وخُلَّةَ إبراهيمَ ورِضَا إسحقَ وفصاحَةَ إسماعيلَ وحِكمةَ لُقمانَ وصبْرَ أيوب ونَغْمَةَ داودَ وقُوّةَ موسى وزُهدَ عيسى وفَهمَ سُليمانَ وطِبَّ دانيال ووَقارَ إلياسَ وعِصمةَ يحيي وقَبولَ زكريا، واغْمِسُوهُ في أخلاقِ النَّبِيِّيْنَ كُلِّهِم، وأخفُوهُ عنْ أعيُنِ العالمينَ فهُوَ حبيبُ ربِّ العالمين، فَطُوبَى لِحِجْرٍ ضَمَّهُ وطُوبى لِثَدْيٍ أرْضَعَهُ وطوبى لِبُيُوتٍ سَكَنَهَا، فقالتِ الطَّيْرُ نحنُ نَكْفُلُهُ، وقالتِ الملائكةُ نحنُ أحقُّ بِهِ، وقالتِ الوُحوشُ نحنُ نُرْضِعُهُ. قالَ اللهُ تعالى (وهذا ليسَ مِنَ القُرءان ): " أنا أَوْلَى بِحَبِيْبِي ونَبِيِّي محمّدٍ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي قَدْ كَتَبْتُ ألا تُرضِعَه إلا أَمَتِي حَلِيمَة " .

وُلدَ صلى الله عليه وسلمَ مَكْحُولاً مَدهُونًا مَسرُورًا مَخْتُونًا، وحِينَ وُلِدَ سارَعَتْ إلى طَلْعَتِهِ المُباركةِ ثلاثةٌ مِنَ الملائكةِ معَ أحَدِهِم طَسْتٌ مِنَ الذَّهَبِ ومَعَ الثَّانِي إبريقٌ مِنَ الذَّهَبِ ومعَ الثَّالِثِ مِنديلٌ مِنَ السُّنْدُسِ الأخضَرِ وَغَسَّلُوهُ بماءِ الرَّحِيق)

قالتْ ءامنةُ بنتُ وَهْبٍ فلمَّا وَضَعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ خَرَّ ساجِدًا للهِ تعالى، فهوَ صلواتُ ربي وسلامُه عليهِ أعرَفُ الخَلْقِ بِمَقَامِ العُبُودِيَّةِ والعِبَادَةِ وأَعْرَفُ العِبادِ والعُبَّاد.

صلَّى اللهُ عليهِ صلاةً يَقضِي بها حاجَاتِنا ويُفرِّجُ بها كُرُباتِنا ويَكفيْنَا بها شرَّ أعدائِنا وسلَّمَ عليهِ وعلى ءالِه سلامًا كثيرًا .

هذا وأستغفر الله لي ولكم