إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له. هو اللهُ الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمدُ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، أي ليس له شبيهٌ ولا مثيل. هو الله الواحدُ الأحدُ الذي رفع السماءَ بلا عمدٍ وأنزل القرءانَ على سيدنا محمد، هو الله القادر على كل شيء ولا يعجزُه شيءٌ أبدا، هو الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وأشهد أنّ سيّدَنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، من بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا، اللهم صلِّ على سيدنا محمد الداعي إلى الخير والرشاد، الداعي إلى التباذلِ والتناصح والتزاورِ والتحابِّ في الله. اللهم صل على سيدنا محمد سيّد الأنبياء والمرسلين وسلِّم عليه وعلى ءاله سلاما كثيرا.

أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ القديرِ القائلِ في محكم كتابه: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] {الحجرات:10}

وقالَ عليه الصلاةُ والسلام :" لا تباغَضُوا ولا تحاسدُوا ولا تدابَرُوا وكُونُوا عبادَ اللهِ إِخوانا ".

إخوةَ الإسلام، يا إِخوَتِي في الله، إنَّ من أعظمِ ما يَكتَسِبُهُ الإنسانُ في الحياةِ الدُّنيا وأنفَعِهِ في الآخرةِ محبّةَ المُسلِمِ لأخيهِ المُسلِم، المحبّةَ التي فيها التّعاونُ على ما يُرضِي اللهَ، ليسَ المرادُ التّحابَّ على الهوى، فهذه المحبةُ التي فيها التعاونُ على ما يُرضي اللهَ يكونُ صاحبُها في ظلِّ العرشِ يومَ القيامةِ ذلكَ اليومَ الذي ليس فيه بيتٌ ولا جبلٌ ولا شجرٌ ولا كهفٌ إنما يُظِلُّ المؤمنَ في ذلك اليومِ عملُه الصالح. ومن جملة العملِ الصالحِ الذي يُظِلُّ صاحبَهُ في ذلك اليومِ التحابُّ في الله، محبةُ المسلمِ لأخيه في ما يُرضي اللهَ تباركَ وتعالى، هذه المحبةُ التي تجعلُ صاحبَها في الآخرةِ في ظلِِّ العرشِ لا يُصيبُه حرُّ شمسِ يومِ القيامة، حرُّ شمسِ يومِ القيامةِ أشدُّ بكثيرٍ من حرِّها في الدُّنيا. اللهمَّ أَجِرْنا من حرِّها في ذلك اليومِ العظيمِ واجعلنا من المتحابِّينَ المتناصحينَ يا أرحمَ الراحمين.

ومن معاني التحابِّ في اللهِ أن يتعاونَ المسلمُ معَ أخيهِ على ما يُحبُّ اللهُ، ولا يَغُشَّ أحدُهُما الآخرَ أي لا يُزَيِّنُ له المعصيةَ ولا يغُشّه في المعاملةِ بل يبذُلُ له النُّصحَ، يُحِبُّ له ما يُحبُّ لِنَفْسِه، أي الخيرُ الذي يُحِبُّهُ لِنفسِه يُحِبُّهُ لأخيه، والشرُّ الذي يكرهُه لِنفسِه مما هو شرٌّ في شرعِ الله يكرَهُهُ لأخيهِ وهذا الأمرُ هو الكمالُ للمُسلِمِ، المُسلِمُ لا يكونُ مؤمنا كاملا أي في الدَّرَجةِ العُليا إلا إذا كان بهذه الصفةِ أي يحبُّ لأخيهِ ما يُحبُّ لنفسه من الخير.

واسمعوا معي جيِّدا كلامَ سيِّدِ الأولينَ والآخرين وحبيبِ ربِّ العالمينَ حيثُ قال:" دَبَّ إليكُم داءُ الأُمَمِ قبلَكُم الحسدُ والبغضاءُ هيَ الحالِقَةُ، حالِقَةُ الدِّينِ لا حالِقَةُ الشَّعَرِ، والذي نفسُ محمدٍ بيده لا تدخُلوا الجنّةَ حتى تُؤمِنُوا ولا تُؤمِنُوا حتى تحابُّوا أفلا أُنْبِؤُكُم بشىءٍ إذا فَعَلتُموهُ تحاببتُم أفشُوا السلامَ بينَكُم"( رواه أحمدُ والترمذيّ).

دبَّ إليكُم أي سارَ إليكم داءُ الأُممِ قبلَكم أي مرضُ القلوبِ الذي هو عادةُ الأممِ الماضيةِ الحسَدُ والبغضاءُ. هيَ الحالِقةُ حالِقَةُ الدِّينِ لا حالقةُ الشَّعَرِ- وحالقَةُ الدِّينِ هي الخَصلَةُ التي شأْنُها أن تُهلِكَ- وأرشدَنا صلى اللهُ عليهِ وسلم إلى ما يُزيلُ الضَّغائِنَ- أيِ الأحقادَ والعَداواتِ- ويورِثُ التّحابُبَ قال:" أفشُوا السلامَ بينَكم".

قال الله تعالى: {ومن شرِّ حاسدٍ إذا حَسَد} أي استجير باللهِ من شرّ الحاسد إذا أظهرَ حسَده.

وقد قيلَ الحسدُ أوّلُ معصية عُصِيَ اللهُ بها في الجنةِ أي حسدُ إبليس لنبي الله ءادم عليه السلام، وأوّل معصية عُصيَ بها في الأرض أي حسد قابيل هابيل ثم قَتْلُ قابيلَ لِهَابيل.

وروى البخاريُّ في صحيحه من حديث أنس بنِ مالِك رضي اللهُ عنه قال قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تباغضُوا ولا تحاسَدُوا ولا تَدابَروا وكُونوا عبادَ اللهِ إخوانًا، ولا يحلّ لمسلم أن يَهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاث لَيالٍ يلتقيانِ يَصُدُّ هذا ويَصُدُّ هذا وخيرُهُما الذي يبدأ بالسَّلام".

وعن الأحْنَفِ بنِ قَيْس: خَمْسٌ هُنَّ كما أقولُ: لا راحةَ لحسود، ولا مُروءةَ لِكذوب، ولا وفاءَ لِمُلُوك، ولا حيلة لبخيل، ولا سُؤدُدَ لسيِّءِ الخُلق. وعن الخليلِ بنِ أحمد: ما رأيتُ ظالمًا أشْبه بمظلومٍ من حاسدٍ له نَفَسٌ دائمٌ، وعقلٌ هائمٌ، وحزنٌ لازمٌ.

وعن بِشْر بنِ الحارثِ الحافي: " العَداوةُ في القَرابَةِ، والحَسَدُ في الجيرانِ، والمنفعةُ في الإخوان " .

ثم إن الله تبارك وتعالى قال في الحديثِ القدسِيِّ:" حَقَّت مَحبَّتِي لِلْمُتحابِِّينَ فِيَّ، وحَقَّت مَحبَّتِي لِلْمُتناصحينَ فِيَّ، وحَقَّت مَحبَّتِي لِلْمُتواصِلينَ فِيَّ، وحَقَّت مَحبَّتِي لِلْمُتباذِلينَ فِيَّ ".

فَينبَغِي أن نتحلَّى بهذه الأوصافِ حتى نكونَ في الدارِ الآخرةِ على سُرُرٍ مُتقابِلينَ، فعلينا بالتّحابِِّ والتّناصُحِ والتّزاوُرِ والتّباذُلِ ولا ينبَغِي أن يتَتَبَّعَ الواحدُ مِنا مساوِىءَ أخيهِ، فَطُوبى لمن شَغَلَهُ عيبُه عن عيوبِ الناسِ بل ينبَغِي أن يُسامِحَهُ إن أساءَ إليهِ وإن أحسنَ إليهِ أن يعاملَه بالإحسانِ، وعن أنسٍ رضيَ اللهُ عنهُ أن رَجُلا كانَ عندَ النبيِِّ صلى الله عليه وسلم فَمرَّ رجلٌ به فقال: يا رسولَ اللهِ إني لأُحِبُّ هذا، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَأَعْلَمْتَهُ؟ قال: لا، قال: أعلِمْهُ، فَلَحِقَهُ فقال: إني أُحِبُّكَ في الله، فقالَ: أَحبَّكَ اللهُ الذي أحببتَنِي لَهُ.( رواهُ أبو داودَ).

 

ومعنى هذا الدعاءِ إخوةَ الإيمانِ أي معنى أَحَبَّكَ اللهُ أي جَعَلَكَ خالِيًا من الذُّنوبِ.

ربِِّ اغفِر لنا وارحمنا واجعلنا من المتحابِّينَ ابتغاءَ مرضاتكَ ومن المتزاورينَ المتباذلين واحشُرنا تحتَ ظلِِّ العرشِ إنك يا ربَّنا على كلِّ شىءٍ قدير.

هذا وأستغفِرُ الله لي ولكُم