69 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

Articles

قال الإمام النووي في شرح مسلم :
جُمْهُور الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ مَوْجُودٌ بَيْن أَظْهُرِنَا , وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْد الصُّوفِيَّةِ , وَأَهْل الصَّلَاح وَالْمَعْرِفَة , وَحِكَايَاتهمْ فِي رُؤْيَته وَالِاجْتِمَاع بِهِ وَالْأَخْذ عَنْهُ وَسُؤَاله وَجَوَابه وَوُجُوده فِي الْمَوَاضِع الشَّرِيفَة وَمَوَاطِن الْخَيْر أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ , وَأَشْهَر مِنْ أَنْ يُسْتَرَ . قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح هُوَ حَيٌّ عِنْد جَمَاهِير الْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ . وَالْعَامَّة مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ . قَالَ : وَإِنَّمَا شَذَّ بِإِنْكَارِهِ بَعْض الْمُحَدِّثِينَ ، قَالَ الْحِبْرِيّ الْمُفَسِّرُ وَأَبُو عَمْرو : هُوَ نَبِيٌّ . وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ مُرْسَلًا . وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ وَكَثِيرُونَ : هُوَ وَلِيٌّ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ فِي تَفْسِيره ثَلَاثَة أَقْوَال : أَحَدهَا نَبِيّ , وَالثَّانِي وَلِيّ , وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مِنْ الْمَلَائِكَة وَهَذَا غَرِيب بَاطِل . قَالَ الْمَازِرِيّ : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْخَضِر هَلْ هُوَ نَبِيّ أَوْ وَلِيّ ؟ قَالَ : وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِنُبُوَّتِهِ بِقَوْلِهِ : { وَمَا فَعَلْته عَنْ أَمْرِي } فَدَلَّ عَلَى إِنَّهُ نَبِيّ أُوحِيَ إِلَيْهِ , وَبِأَنَّهُ أَعْلَم مِنْ مُوسَى , وَيَبْعُد أَنْ يَكُون وَلِيّ أَعْلَم مِنْ نَبِيٍّ . وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَوْحَى اللَّه إِلَى نَبِيٍّ فِي ذَلِكَ الْعَصْر أَنْ يَأْمُرَ الْخَضِرَ بِذَلِكَ . وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ الْمُفَسِّر : الْخَضِر نَبِيّ مُعَمَّر عَلَى جَمِيع الْأَقْوَال , مَحْجُوب عَنْ الْأَبْصَار , يَعْنِي عَنْ أَبْصَار أَكْثَر النَّاس . قَالَ : وَقِيلَ : إِنَّهُ لَا يَمُوتُ إِلَّا فِي آخِر الزَّمَان حِين يُرْفَعُ الْقُرْآن , وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ ثَلَاثَة أَقْوَال فِي أَنَّ الْخَضِر كَانَ مِنْ زَمَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ أَمْ بِكَثِيرٍ . كُنْيَة الْخَضِر أَبُو الْعَبَّاس , وَاسْمه ( بَلْيَا ) بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَة ثُمَّ لَام سَاكِنَة ثُمَّ مُثَنَّاة تَحْتُ , اِبْن ( مَلْكَان ) بِفَتْحِ الْمِيم وَإِسْكَان اللَّام , وَقِيلَ : ( كَلْيَان ) . قَالَ اِبْن قُتَيْبَة فِي الْمَعَارِف : قَالَ وَهْب بْن مَنْبَه : اِسْم الْخَضِر ( بَلْيَا بْن مَلْكَان بْن فَالِغ بْن عَابِر بْن شالخ بْن أرفخشد بْن سَام بْن نُوح ) . قَالُوا : وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ الْمُلُوك . وَاخْتَلَفُوا فِي لَقَبه الْخَضِر , فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ : لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَة بَيْضَاء , فَصَارَتْ خَضْرَاء , وَالْفَرْوَة وَجْه الْأَرْض . وَقِيلَ : لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى اِخْضَرَّ مَا حَوْله وَالصَّوَاب الْأَوَّل , فَقَدْ صَحَّ فِي الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِر لِأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَة فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاء " وَبَسَطْت أَحْوَاله فِي تَهْذِيب الْأَسْمَاء وَاللُّغَات وَاللَّهُ أَعْلَمُ . ا.هـ كلام النووي .
وفي صحيح مسلم ‏أَنَّ ‏ ‏أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ‏ ‏قَالَ ‏
‏حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلًا عَنْ ‏ ‏الدَّجَّالِ ‏ ‏فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا قَالَ ‏ ‏يَأْتِي وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ ‏ ‏نِقَابَ ‏ ‏الْمَدِينَةِ ‏ ‏فَيَنْتَهِي إِلَى بَعْضِ ‏ ‏السِّبَاخِ ‏ ‏الَّتِي ‏ ‏تَلِي ‏ ‏الْمَدِينَةَ ‏ ‏فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ ‏ ‏أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ ‏ ‏فَيَقُولُ لَهُ أَشْهَدُ أَنَّكَ ‏ ‏الدَّجَّالُ ‏ ‏الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏حَدِيثَهُ فَيَقُولُ ‏ ‏الدَّجَّالُ ‏ ‏أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ أَتَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ فَيَقُولُونَ لَا قَالَ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْآنَ قَالَ فَيُرِيدُ ‏ ‏الدَّجَّالُ ‏ ‏أَنْ يَقْتُلَهُ ‏ ‏فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ ‏. قَالَ ‏ ‏أَبُو إِسْحَقَ ‏ ‏يُقَالُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ ‏ ‏‏ الْخَضِرُ ‏ ‏عَلَيْهِ السَّلَام ‏ ‏.
قال الإمام النووي في شرح مسلم :‏قَوْله : ( قَالَ أَبُو إِسْحَاق : يُقَال : إِنَّ الرَّجُل هُوَ الْخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام ) ‏أَبُو إِسْحَاق هَذَا هُوَ إِبْرَاهِيم بْن سُفْيَان رَاوِي الْكِتَاب عَنْ مُسْلِم , وَكَذَا قَالَ مَعْمَر فِي جَامِعه فِي أَثَر هَذَا الْحَدِيث كَمَا ذَكَرَهُ اِبْن سُفْيَان , وَهَذَا تَصْرِيح مِنْهُ بِحَيَاةِ الْخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام , وَهُوَ الصَّحِيح . ا.هـ كلام النووي
قال الحافظ ابن حجر في الفتح :
وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق فِي مُصَنَّفه عَنْ مَعْمَر فِي قِصَّة الَّذِي يَقْتُلهُ الدَّجَّال ثُمَّ يُحْيِيه : بَلَغَنِي أَنَّهُ الْخَضِر. وَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيم بْن سُفْيَان الرَّاوِي عَنْ مُسْلِم فِي صَحِيحه . وَرَوَى اِبْن إِسْحَاق فِي " الْمُبْتَدَأ " عَنْ أَصْحَابه أَنَّ آدَم أَخْبَرَ بَنِيهِ عِنْد الْمَوْت بِأَمْرِ الطُّوفَان , وَدَعَا لِمَنْ يَحْفَظ جَسَده بِالتَّعْمِيرِ حَتَّى يَدْفِنهُ , فَجَمَعَ نُوح بَنِيهِ لَمَّا وَقَعَ الطُّوفَان وَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ فَحَفِظُوهُ , حَتَّى كَانَ الَّذِي تَوَلَّى دَفْنه الْخَضِر . وَرَوَى خَيْثَمَة بْن سُلَيْمَان مِنْ طَرِيق جَعْفَر الصَّادِق عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ كَانَ لَهُ صَدِيق مِنْ الْمَلَائِكَة , فَطَلَب مِنْهُ أَنْ يَدُلّهُ عَلَى شَيْء يُطَوِّل بِهِ عُمُره فَدَلَّهُ عَلَى عَيْن الْحَيَاة وَهِيَ دَاخِل الظُّلْمَة , فَسَارَ إِلَيْهَا وَالْخَضِر عَلَى مُقَدِّمَته فَظَفِرَ بِهَا الْخَضِر وَلَمْ يَظْفَر بِهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ .
ثم قال الحافظ ابن حجر في الفتح :
وَرَوَى يَعْقُوب بْن سُفْيَان فِي تَارِيخه وَأَبُو عَرُوبَة مِنْ طَرِيق رِيَاح بِالتَّحْتَانِيَّةِ اِبْن عُبَيْدَة قَالَ : رَأَيْت رَجُلًا يُمَاشِي عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قُلْت لَهُ مَنْ الرَّجُل ؟ قَالَ : رَأَيْته ؟ قُلْت : نَعَمْ . قَالَ أَحْسِبك رَجُلًا صَالِحًا , ذَاكَ أَخِي الْخَضِر بَشَّرَنِي أَنِّي سَأُوَلَّى وَأَعْدِل . لَا بَأْس بِرِجَالِهِ . وَرَوَى اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة أَبِي زُرْعَة الرَّازِيّ بِسَنَد صَحِيح أَنَّهُ رَأَى وَهُوَ شَابّ رَجُلًا نَهَاهُ عَنْ غَشَيَان أَبْوَاب الْأُمَرَاء , ثُمَّ رَآهُ بَعْد أَنْ صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا عَلَى حَالَته الْأُولَى فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا , قَالَ فَالْتَفَتّ لِأُكَلِّمهُ فَلَمْ أَرَهُ , فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ الْخَضِر . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ مِنْ طَرِيق الْحَجَّاج بْن قَرَافِصَة أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا يَتَبَايَعَانِ عِنْد اِبْن عُمَر , فَقَامَ عَلَيْهِمْ رَجُل فَنَهَاهُمَا عَنْ الْحَلِف بِاَللَّهِ وَوَعَظَهُمْ بِمَوْعِظَةٍ , فَقَالَ اِبْن عُمَر لِأَحَدِهِمَا : اُكْتُبْهَا مِنْهُ , فَاسْتَعَادَهُ حَتَّى حَفِظَهَا ثُمَّ تَطَلَّبَهُ فَلَمْ يَرَهُ , قَالَ : وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ الْخَضِر . ا.هـ كلام الحافظ
وفي صحيح البخاري والترمذي وأحمد –واللفظ للبخاري-‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏
‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏إِنَّمَا سُمِّيَ ‏ الْخَضِرَ ‏ ‏أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ . ولفظ أحمد : ‏ فَإِذَا هِيَ تَحْتَهُ تَهْتَزُّ خَضْرَاءَ . ولفظ الترمذي : فَاهْتَزَّتْ تَحْتَهُ خَضْرَاءَ ‏. والْفَرْوَةُ أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ
وفي صحيحي البخاري ومسلم والترمذي وأحمد وغيرهم –واللفظ لمسلم- عَنْ ‏ ‏سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ‏ ‏قَالَ ‏ قُلْتُ ‏ ‏لِابْنِ عَبَّاسٍ ‏ ‏إِنَّ ‏ ‏نَوْفًا الْبِكَالِيَّ ‏ ‏يَزْعُمُ أَنَّ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏عَلَيْهِ السَّلَام ‏ ‏صَاحِبَ ‏ ‏بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏ ‏لَيْسَ هُوَ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏صَاحِبَ الْخَضِرِ ‏عَلَيْهِ السَّلَام ‏ ‏فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ سَمِعْتُ ‏ ‏أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ ‏ ‏يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ ‏ ‏قَامَ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏عَلَيْهِ السَّلَام ‏ ‏خَطِيبًا فِي ‏ ‏بَنِي إِسْرَائِيل - يُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللَّه وَآلَاء اللَّه نَعْمَاؤُهُ وَبَلَاؤُهُ -‏ حَتَّى إِذَا فَاضَتْ الْعُيُونُ وَرَقَّتْ الْقُلُوبُ - ‏فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ قَالَ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ - قَالَ قَتَادَةُ : هُوَ مَجْمَع بَحْرَيْ فَارِس وَالرُّوم مِمَّا يَلِي الْمَشْرِق , وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ بَأَفْرِيقِيَّة - هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ - أَعْلَم مِنْك فِي أَمْر مَخْصُوص فالخضر لا يزيد على موسى في العلم الشرعي إنما فيما يتعلق بأحوال الكائنات -وفي رواية للبخاري: فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏بَلَى عَبْدُنَا ‏ ‏‏‏ خَضِرٌ - قَالَ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏أَيْ رَبِّ كَيْفَ لِي بِهِ فَقِيلَ لَهُ احْمِلْ حُوتًا- ‏ الْحُوت السَّمَكَة , وَكَانَتْ سَمَكَة مَالِحَة كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة - فِي ‏ ‏مِكْتَلٍ -‏ وَهُوَ الْقُفَّة وَالزَّبِيل - ‏فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ- أَيْ يَذْهَبُ مِنْك - فَهُوَ ثَمَّ - هُنَاكَ ‏- فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ - صَاحِبه -وَهُوَ ‏ ‏يُوشَعُ بْنُ نُونٍ ‏ ‏فَحَمَلَ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏عَلَيْهِ السَّلَام ‏ ‏حُوتًا فِي ‏ ‏مِكْتَلٍ ‏ ‏وَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يَمْشِيَانِ حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ فَرَقَدَ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏عَلَيْهِ السَّلَام ‏ ‏وَفَتَاهُ فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي ‏ ‏الْمِكْتَلِ ‏ ‏حَتَّى خَرَجَ مِنْ ‏ ‏الْمِكْتَلِ ‏ ‏فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ - وفي رواية : وَفِي أَصْل الصَّخْرَة عَيْن يُقَال لَهَا الْحَيَاة لَا يُصِيب مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ , فَأَصَابَ الْحُوت مِنْ مَاء تِلْكَ الْعَيْن فَتَحَرَّكَ وَانْسَلَّ مِنْ الْمِكْتَل فَدَخَلَ الْبَحْر- وَذَكَرَ اِبْن عَطِيَّة أَنَّهُ رَأَى سَمَكَةً أَحَد جَانِبَيْهَا شَوْك وَعَظْم وَجِلْد رَقِيق عَلَى أَحْشَائِهَا وَنِصْفهَا الثَّانِي صَحِيح , وَيَذْكُر أَهْل ذَلِكَ الْمَكَان أَنَّهَا مِنْ نَسْل حُوت مُوسَى , إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ لَمَّا حَيِيَ بَعْدَ أَنْ أَكَلَ مِنْهُ اِسْتَمَرَّتْ فِيهِ تِلْكَ الصِّفَة ثُمَّ فِي نَسْله - قَالَ وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏جِرْيَةَ ‏ ‏الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ ‏ ‏الطَّاقِ- وَالطَّاق عَقْد الْبِنَاء , وصار الماء أثناء جريانه فيه يتحول الى حجر ويغدو كالقناطر فوقها - ‏ ‏فَكَانَ لِلْحُوتِ ‏ ‏سَرَبًا ‏ ‏وَكَانَ ‏ ‏لِمُوسَى ‏ ‏وَفَتَاهُ عَجَبًا - وَمُوسَى نَائِم , فَقَالَ فَتَاهُ : لَا أُوقِظُهُ , حَتَّى إِذَا اِسْتَيْقَظَ فَنَسِيَ أَنْ يُخْبِرَهُ - فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا وَنَسِيَ صَاحِبُ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏أَنْ يُخْبِرَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏عَلَيْهِ السَّلَام ‏ ‏قَالَ لِفَتَاهُ ‏آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا ‏ ‏نَصَبًا - التَّعَب - قَالَ وَلَمْ ‏ ‏يَنْصَبْ ‏ ‏حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ ‏ ‏قَالَ -فتاه- أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا ‏ ‏أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ‏ - عَجَبُ مُوسَى أَنْ تَسَرَّبَ حُوت مُمَلَّح فِي مِكْتَل- قَالَ ‏ ‏مُوسَى ‏ذَلِكَ مَا كُنَّا ‏ ‏نَبْغِ- نَطْلُبُ -‏ ‏فَارْتَدَّا ‏ ‏عَلَى آثَارِهِمَا ‏ ‏قَصَصًا ‏ قَالَ ‏ ‏يَقُصَّانِ ‏ ‏آثَارَهُمَا -عادا في نفس الطريق الذي أتيا منه ثم رأيا أثر جري السمكة في البحر إذ ظهر مثل أخدود صخري فسلكاه - حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى - مُغَطَّى - عَلَيْهِ بِثَوْبٍ - رَأَى مُوسَى الْخَضِر عَلَى طِنْفِسَة خَضْرَاء وهو مسجى بثوب أخضر مستلق على ظهره عَلَى وَجْه الْمَاء- فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ‏ ‏مُوسَى - فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ , فَكَشَفَ الثَّوْب عَنْ وَجْهه وَقَالَ : وَعَلَيْكُمْ السَّلَام - ‏ ‏فَقَالَ لَهُ ‏ الْخَضِرُ ‏أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ- أَيْ مِنْ أَيْنَ السَّلَام فِي هَذِهِ الْأَرْض الَّتِي لَا يُعْرَف فِيهَا السَّلَام لأن أهل تلك الأرض لم يكونوا في ذاك الوقت مسلمين - قَالَ أَنَا ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏قَالَ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏ ‏قَالَ نَعَمْ - ‏وفي رواية: ‏مُسَجًّى بِثَوْبِهِ قَدْ جَعَلَ طَرَفَهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ وَطَرَفَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ ‏ ‏فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ هَلْ بِأَرْضِي مِنْ سَلَامٍ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏قَالَ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏ ‏قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا شَأْنُكَ قَالَ جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا قَالَ أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ بِيَدَيْكَ وَأَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيكَ - قَالَ -الخضر- إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ قَالَ لَهُ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏عَلَيْهِ السَّلَام ‏ ‏هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ ‏ ‏تُعَلِّمَنِي ‏ ‏مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ ‏ ‏مَعِيَ صَبْرًا - لِمَا أَطْلَعَهُ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ مُوسَى لَا يَصْبِر عَلَى تَرْك الْإِنْكَار إِذَا رَأَى مَا يُخَالِف الشَّرْع- وَكَيْفَ تَصْبِرُعَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا - فَأَنَا أَعْرِف أَنَّك سَتُنْكِرُ عَلَيَّ مَا أَنْتَ مَعْذُور فِيهِ وَلَكِنْ مَا اِطَّلَعْت عَلَى حِكْمَته وَمَصْلَحَته الْبَاطِنَة الَّتِي اِطَّلَعْت أَنَا عَلَيْهَا دُونك -

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَرْحَمُ اللَّهُ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏كَانَتْ الْأُولَى مِنْ ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏نِسْيَانًا وفي رواية :كَانَتْ الْأُولَى نِسْيَانًا وَالْوُسْطَى شَرْطًا وَالثَّالِثَة عَمْدًا
قال له الخضر :
‏ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
-
فيصيبون منها رزقا يعينهم على الكسب وكَانَتْ لِعَشَرَةِ إِخْوَة مِنْ الْمَسَاكِين وَرِثُوهَا مِنْ أَبِيهِمْ خَمْسَة زَمْنَى , وَخَمْسَة يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْر . وَقِيلَ : كَانُوا سَبْعَة لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ زَمَانَة لَيْسَتْ بِالْآخَرِ . وَقَدْ ذَكَرَ النَّقَّاش أَسْمَاءَهُمْ ; فَأَمَّا الْعُمَّال مِنْهُمْ فَأَحَدهمْ كَانَ مَجْذُومًا ; وَالثَّانِي أَعْوَر , وَالثَّالِث أَعْرَج , وَالرَّابِع آدَرّ , وَالْخَامِس مَحْمُومًا لَا تَنْقَطِع عَنْهُ الْحُمَّى الدَّهْر كُلّه وَهُوَ أَصْغَرهمْ ; وَالْخَمْسَة الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَ الْعَمَل : أَعْمَى وَأَصَمّ وَأَخْرَس وَمُقْعَد وَمَجْنُون , وَكَانَ الْبَحْر الَّذِي يَعْمَلُونَ فِيهِ مَا بَيْن فَارِس وَالرُّوم
وقال له الخضر : ولم يكن الإخوة على علم بما يريد الملك فعلَه
فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا
-
أَيْ أَجْعَلهَا ذَات عَيْب، وفي صحيح البخاري ( فَأَرَدْت إِذَا هِيَ مَرَّتْ بِهِ أَنْ يَدَعَهَا لِعَيْبِهَا ) ‏فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ " فَأَرَدْت أَنْ أَعِيبَهَا حَتَّى لَا يَأْخُذَهَا " –
وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ – أي وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِك فاجر واسمه هُدَد بْن بُدَد -
يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا – أي يأخذ كل سفينة صحيحة تمر في بحره غصبا ويترك التي فيها خلل وأعطال - ‏ وَفِي صَحِيح مُسْلِم وَجْه الْحِكْمَة بِخَرْقِ السَّفِينَة وَذَلِكَ قَوْله : ( فَإِذَا جَاءَ الَّذِي يُسَخِّرُهَا وَجَدَهَا مُنْخَرِقَة فَتَجَاوَزَهَا , فَأَصْلَحُوهَا بِخَشَبَةٍ .) فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ " فَإِذَا جَاوَزُوهُ رَقَّعُوهَا فَانْتَفَعُوا بِهَا وَبَقِيَتْ لَهُمْ "-
وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ : وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِك يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة صَالِحَة غَصْبًا " وَكَانَ اِبْن مَسْعُود يَقْرَأ كُلّ سَفِينة صَحِيحَة غَصْبًا .
‏ -وَأَمَّا الْغُلَامُ - وَأَمَّا الْغُلَام فَكَانَ كَافِرًا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْره أَنْ لَوْ عَاشَ حَتَّى يَبْلُغ واسمه كما في البخاري جَيْسُور - فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا - يَغْشَاهُمَا - طُغْيَانًا وَكُفْرًا - أَنْ يَحْمِلَهَا حُبُّهُ عَلَى أَنْ يُتَابِعَاهُ عَلَى دِينه
وفي صحيح مسلم: ‏وَأَمَّا ‏ ‏الْغُلَامُ ‏فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ فَلَوْ أَنَّهُ أَدْرَكَ ‏ ‏أَرْهَقَهُمَا ‏ ‏طُغْيَانًا ‏ ‏وَكُفْرًا "
‏فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً – إِسْلَامًا-
وَأَقْرَبَ رُحْمًا - هُمَا بِهِ أَرْحَمُ مِنْهُمَا بِالْأَوَّلِ الَّذِي قَتَلَ خَضِر وَأَمَّا الرُّحْم فَقِيلَ : مَعْنَاهُ الرَّحْمَة لِوَالِدَيْهِ وَبِرِّهِمَا , وَقِيلَ : الْمُرَاد يَرْحَمَانِهِ . –
أَبْدَلَهُمَا جَارِيَة فَوَلَدَتْ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاء وقيل أَنَّ أُمّ الْغُلَام يَوْم قُتِلَ كَانَتْ حَامِلًا فولدت بنتا كانت أرحم من الذي قتله الخضر والعبرة في قصة الغلام أنه فَرِحَ بِهِ أَبَوَاهُ حِين وُلِدَ وَحَزِنَا عَلَيْهِ حِين قُتِلَ , وَلَوْ بَقِيَ كَانَ فِيهِ هَلَاكهمَا . فَالْوَاجِب عَلَى كُلّ اِمْرِئٍ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّه تَعَالَى .
‏ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ- حكي أن اسْمهمَا أَصْرَم وَصَرِيم واسم أبيهما كَاشِح
فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى إِطْلَاق الْقَرْيَة عَلَى الْمَدِينَة لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا " حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْل قَرْيَة " وَقَالَ هَاهُنَا " فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَة "
وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا - وكان تحت الجدار كنز لهما عبارة عن لوح ذهبي ومال كثير من ذهب وفضة تركه لهما والدهما الصالح الذي يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها وقد حُفظا بصلاح أبيهما وفي الحديث الشريف : إن الله يحفظ الرجلَ الصالح في ذريته-
فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ – ولما كان الجدار مشرفا على السقوط ولو سقط لضاع ذلك الكنز أراد الله إبقاءه على اليتيمين رعاية لحقهما وحق صلاح والدهما فأمر الله الخضرَ بإقامة ذلك الجدار ليحفظ الكنز الذي سيكون من نصيب اليتيمين عندما يكبران ، وكان اليتيمان جاهلين بأن لهما كنزا الا أن الوصي عليهما كان عالما به ، ثم الوصي غاب وأشرف ذلك الجدار في غيبته على السقوط -
وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي – أي ما فعلته باجتهاد مني ورأي ، إنما فعلته بأمر الله ، وهذا يدل على أنه نبي أوحي إليه -
ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا
قال الإمام النووي في شرح مسلم :‏‏ ‏ وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاء بِسُؤَالِ مُوسَى السَّبِيل إِلَى لِقَاء الْخَضِر صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اِسْتِحْبَاب الرِّحْلَة فِي طَلَب الْعِلْم , وَاسْتِحْبَاب الِاسْتِكْثَار مِنْهُ , وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعِلْم بِمَحَلٍّ عَظِيم أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ هُوَ أَعْلَم مِنْهُ , وَيَسْعَى إِلَيْهِ فِي تَحْصِيلِهِ , وَفِيهِ فَضِيلَةُ طَلَب الْعِلْم وَفِي تَزَوُّدِهِ الْحُوت وَغَيْره جَوَاز التَّزَوُّد فِي السَّفَر . وَفِي هَذَا الْحَدِيث الْأَدَب مَعَ الْعَالِم , وَحُرْمَة الْمَشَايِخ , وَالْوَفَاء بِعُهُودِهِمْ , وَالِاعْتِذَار عِنْد مُخَالَفَة عَهْدهمْ . وَفِيهِ جَوَاز سُؤَال الطَّعَام عِنْد الْحَاجَة , وَجَوَاز إِجَارَة السَّفِينَة , وَجَوَاز رُكُوب السَّفِينَة وَالدَّابَّة وَسُكْنَى الدَّار وَلُبْس الثَّوْب وَنَحْو ذَلِكَ بِغَيْرِ أُجْرَة بِرِضَى صَاحِبه.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح :وَفِي الْحَدِيث جَوَاز رُكُوب الْبَحْر فِي طَلَب الْعِلْم بَلْ فِي طَلَب الِاسْتِكْثَار مِنْهُ , وَمَشْرُوعِيَّة حَمْل الزَّاد فِي السَّفَر , وَلُزُوم التَّوَاضُع فِي كُلّ حَال , وَلِهَذَا حَرَصَ مُوسَى عَلَى الِالْتِقَاء بِالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَام وَطَلَب التَّعَلُّم مِنْهُ تَعْلِيمًا لِقَوْمِهِ أَنْ يَتَأَدَّبُوا بِأَدَبِهِ , وَتَنْبِيهًا لِمَنْ زَكَّى نَفْسه أَنْ يَسْلُك مَسْلَك التَّوَاضُع .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح-في موضع ءاخر- : وَفِيهِ فَضْل الِازْدِيَاد مِنْ الْعِلْم , وَلَوْ مَعَ الْمَشَقَّة وَالنَّصَب بِالسَّفَرِ , وَخُضُوع الْكَبِير لِمَنْ يَتَعَلَّم مِنْهُ . وَوَجْه الدَّلَالَة مِنْهُ قَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ ) وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مِنْهُمْ , فَتَدْخُل أُمَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْت هَذَا الْأَمْر إِلَّا فِيمَا ثَبَتَ نَسْخه .
قال الحافظ ابن حجر : قال القرطبي :
ذَهَبَ قَوْم مِنْ الزَّنَادِقَة إِلَى سُلُوك طَرِيقَة تَسْتَلْزِم هَدْم أَحْكَام الشَّرِيعَة فَقَالُوا : إِنَّهُ يُسْتَفَاد مِنْ قِصَّة مُوسَى وَالْخَضِر أَنَّ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الْعَامَّة تَخْتَصّ بِالْعَامَّةِ وَالْأَغْبِيَاء , وَأَمَّا الْأَوْلِيَاء وَالْخَوَاصّ فَلَا حَاجَة بِهِمْ إِلَى تِلْكَ النُّصُوص , بَلْ إِنَّمَا يُرَاد مِنْهُمْ مَا يَقَع فِي قُلُوبهمْ , وَيُحْكَم عَلَيْهِمْ بِمَا يَغْلِب عَلَى خَوَاطِرهمْ , لِصَفَاءِ قُلُوبهمْ عَنْ الْأَكْدَار وَخُلُوّهَا عَنْ الْأَغْيَار . فَتَنْجَلِي لَهُمْ الْعُلُوم الْإِلَهِيَّة وَالْحَقَائِق الرَّبَّانِيَّة , فَيَقِفُونَ عَلَى أَسْرَار الْكَائِنَات وَيَعْلَمُونَ الْأَحْكَام الْجُزْئِيَّات فَيَسْتَغْنُونَ بِهَا عَنْ أَحْكَام الشَّرَائِع الْكُلِّيَّات , كَمَا اِتَّفَقَ لِلْخَضِرِ , فَإِنَّهُ اِسْتَغْنَى بِمَا يَنْجَلِي لَهُ مِنْ تِلْكَ الْعُلُوم عَمَّا كَانَ عِنْد مُوسَى , وَيُؤَيِّدهُ الْحَدِيث الْمَشْهُور : " اِسْتَفْتِ قَلْبك وَإِنْ أَفْتَوْك " قَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَهَذَا الْقَوْل زَنْدَقَة وَكُفْر ; لِأَنَّهُ إِنْكَار لِمَا عُلِمَ مِنْ الشَّرَائِع , فَإِنَّ اللَّه قَدْ أَجْرَى سُنَّته وَأَنْفَذَ كَلِمَته بِأَنَّ أَحْكَامه لَا تُعْلَم إِلَّا بِوَاسِطَةِ رُسُله السُّفَرَاء بَيْنه وَبَيْن خَلْقه الْمُبَيِّنِينَ لِشَرَائِعِهِ وَأَحْكَامه , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( اللَّه يَصْطَفِي مِنْ الْمَلَائِكَة رُسُلًا وَمِنْ النَّاس ) وَقَالَ : ( اللَّه أَعْلَم حَيْثُ يَجْعَل رِسَالَاته ) وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِمْ فِي كُلّ مَا جَاءُوا بِهِ , وَحَثَّ عَلَى طَاعَتهمْ وَالتَّمَسُّك بِمَا أَمَرُوا بِهِ فَإِنَّ فِيهِ الْهُدَى . وَقَدْ حَصَلَ الْعِلْم الْيَقِين وَإِجْمَاع السَّلَف عَلَى ذَلِكَ , فَمَنْ اِدَّعَى أَنَّ هُنَاكَ طَرِيقًا أُخْرَى يَعْرِف بِهَا أَمْرَهُ وَنَهْيه غَيْر الطُّرُق الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الرُّسُل يَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ الرَّسُول فَهُوَ كَافِر يُقْتَل وَلَا يُسْتَتَاب . قَالَ : وَهِيَ دَعْوَى تَسْتَلْزِم إِثْبَات نُبُوَّة بَعْد نَبِيّنَا ; لِأَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَأْخُذ عَنْ قَلْبه لِأَنَّ الَّذِي يَقَع فِيهِ هُوَ حُكْم اللَّه وَأَنَّهُ يَعْمَل بِمُقْتَضَاهُ مِنْ غَيْر حَاجَة مِنْهُ إِلَى كِتَاب وَلَا سُنَّة فَقَدْ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ خَاصَّة النُّبُوَّة كَمَا قَالَ نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ رُوح الْقُدُس نَفَثَ فِي رُوعِي " . قَالَ : وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَالَ : أَنَا لَا آخُذ عَنْ الْمَوْتَى , وَإِنَّمَا آخُذ عَنْ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت . وَكَذَا قَالَ آخَر : أَنَا آخُذ عَنْ قَلْبِي عَنْ رَبِّي . وَكُلّ ذَلِكَ كُفْر بِاتِّفَاقِ أَهْل الشَّرَائِع , وَنَسْأَل اللَّه الْهِدَايَة وَالتَّوْفِيق . ا.هـ

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كان سيدنا " أيوب " عليه السلام ، قبل أن ينزل عليه البلاء وبعد أن زال ، من الأنبياء الأغنياء ، يسكن في قرية له اسمها " البثنية " وهي أحدى قرى "حوران " في أرض الشام بين مدينة " دمشق " و " أذرعات " في الأردن وقد أتاه الله تعالى الأملاك الواسعة والأراضي الخصبة والصحة والمال وكثرة الأولاد ، وكان عليه السلام شاكرا لأنعم الله ، مواسيا لعباد الله ، برا رحيما بالمساكين ، يكفل الأيتام والأرامل ، ويكرم الضيف ويصل المنقطع .
ثم إنه وقع في البلاء الشديد والعناء العظيم ، وليس ذلك لأنه هيّن على الله ، إنما ابتلاء من ربه له ليعظم ثوابه وأجره ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " .
وهكذا يصير الناس إذا ذكروا بلاء " أيوب " وصبره على مر السنين مع كونه أفضل أهل زمانه ، عوّدوا أنفسهم على الصبر على الشدائد كما فعل " أيوب " إذ أنه أبتلي كما قيل بأن جاءت الشياطين إلى أمواله فأحرقتها وفتكت بأغنامه وإبله وعبيده ، وخربت أراضيه ، فلما رأى " أيوب " ما حل به لم يعترض على الله تعالى بل قال : " لله ما أعطى ولله ما أخذ فهو مالك الملك ، وله الحمد على كل حال " .
وعادت الشياطين إلى أفاعيلها وفسادها فسلطت على أولاد " أيوب " الذين كانوا في قصر أبيهم ينعمون برزق الله تعالى ، فتزلزل القصر بهم ، حتى تصدعت جدرانه ووقعت حيطانه ، وقتلوا جميعا ولم يبق منهم أحد. وبلغ " أيوب " الخبر فبكى لكنه لم يقابل المصيبة إلا بالصبر . امتلاء إبليس وأعوانه غيظا مما صدر من " أيوب " عليه السلام من صبر وتسليم لقضاء الله وقدره ، وأصيب " أيوب " بأمراض شديدة عديدة ، لكنه لم يخرج منه الدود كما يذكر بعض الناس الجهال ، وإنما اشتد عليه المرض والبلاء حتى جافاه القريب والبعيد ولم معه إلا القلة القليلة ، لكن زوجته بقيت تخدمه وتحسن إليه ذاكرة فضله وإحسانه لها أيام الرخاء .
ثم طالت مدة هذه العلة ولم يبق له شيء من الأموال البتة ، وامرأته باعت نصف شعرها لبنات الملوك لأجل تحصيل القوت " لأيوب " وكان يزوره اثنان من المؤمنين فارتد أحدهما وكفر ، فسأل " أيوب " عنه فقيل له : " وسوس إليه الشيطان أن الله لا يبتلي الأنبياء والصالحين ، وأنك لست نبيا ، فحزن سيدنا " أيوب " لهذا الأمر وتألم لارتداد صحابه عن الإسلام فدعا الله أن يعافيه ويذهب عنه البلاء ، فلا يرتد أحد من المؤمنين بسبب طول بلائه . رفع الله تعالى عن نبيه " أيوب " عليه السلام البلاء بعد مرور ثمانية عشر عاما ، كان فيها " أيوب " صابرا شاكرا ذاكرا مع شدة بلائه ، وأوحى إليه أن يضرب الأرض برجله فضربها فنبعت عينان شرب من واحدة فتعافى باطنه واغتسل بالأخرى فتعافى ظاهره ، وأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض ، وأبدله بعد ذلك صحة ظاهرة وباطنة وجمالا تاما ولما اغتسل من هذا الماء المبارك أعاد الله لحمه وشعره وبشره على أحسن ما كان ، وأنزل له ثوبين من السماء أبيضين ، التحف بأحدهما من وسطه ، ووضع الآخر على كتفيه ثم أقبل يمشي إلى منزله ، وأبطأ على زوجته حتى ليقيته من دون أن تعرفه فسلمت عليه وقالت : " يرحمك الله ، هل رأيت نبي الله المبتلى وقد كان أشبه الناس بك حين كان صحيحا " قال : " أنا هو " ورد الله إلى زوجة سيدنا " أيوب " شبابها ونضارتها فولدت له سبعة وعشرين ذكرا عوضا عن الذين ماتوا سابقا ، وأقبلت سحابة وصبت في بيدر قمحه ذهبا حتى امتلاء ، ثم أقبلت سحابة أخرى إلى بيدر شعيره وحبوبه فسكبت عليه فضة حتى امتلاء ، ثم حدثت له معجزة أخرى إذ أرسل الله تعالى سحابة على قدر قواعد داره فأمطرت ثلاثة أيام بلياليها جرادا من ذهب . وقد رفع الله تعالى عن " أيوب " الشدة وكشف ما به من ضر رحمة منه ورأفة وإحسانا ، وجعل قصته ذكرى للعابدين ، تصبر من ابتلى في جسده أو ماله أو ولده ، فله أسوة بنبي الله " أيوب " الذي ابتلى بما هو اعظم من ذلك ، فصبر واحتسب حتى فرّج الله عنه . وعاش " أيوب " عليه السلام بعد ذلك سبعين عاما يدعو إلى دين الإسلام ، ولما مات غيّر الكفار الدين وعبدوا الأصنام والعياذ بالله تعالى .

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أحد الأمراء كان متكبر، هذا الأمير يمشي ويلبس أفخر الثياب، الثياب التي ثمنها 10 آلاف وما فوق، هو وماشي في الطريق فإذا برجل درويش يلبس ثياب تعبانة مرقعة، من أهل الله الصالحين، فنظر إليه هذا الأمير وهو يتمختر هاك وهاك، فقال للفقير : ألا تعرفني ؟ قال : بلى عرفتك أنت أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وفي وسطك تحمل العذرة (الغائط) على ماذا تتكبرأنت على شو شايف حالك (لو آكل كل المأكولات إلى ماذا تتحول بعد ذلك، قذر) تواضع نكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع
ما أكثر العبر وما أقل المعتبرين، فنحن دائماً تكون أعمالنا بيضاء صالحة . أحدهم قال :
هذه الدنيا تواتيك ****** أليس الموت يأتيك
المعنى : الدنيا تأتيك قصور وأموال، ذهب وأرزاق ولكن أليس الموت يأتيك .

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

قتلت كفار بني إسرائيل عددا كثيرا من الأنبياء ، هذا يحيى ابن خالة عيسى عليهما السلام أوذي أذى شديدا وبلغ به الأذى إلى أن قتل ، ملك ظالم كان تزوج امرأة فهذه المرأة كبرت ، ذهب جمالها الذي كان بها ، وكان لها بنت تكون هي ربيبة هذا الملك ليست بنته قالت له ( تزوج بنتي هذه ) ، حتى لا تكون بعيدة من النعمة التي هي تتقلب فيها بسبب هذا الملك قال ( أستفتي يحيى أيجوز هذا أم لا ) ، فسأل نبي الله يحيى فقال له ( حرام ) ، فقال لها ( قال لي يحيى حرام ) فقالت له ( هذا اقتله كيف يحرم عليك ، كيف يحول بينك وبين ما تريده أنت ) فأخذ بكلامها فقتله فحمل رأس سيدنا يحيى إليه في طست وبعض دمه انكب على الأرض فظل الدم يغلي ، ما كان يهدأ ، والأرض ما كانت تبلعه ، فسلط الله عليهم كافرا ، فجاء هذا الكافر من العراق فقتل منهم سبعين ألفا فهدأ دم يحيى ، ظل يغلي حتى قتل من جماعة الملك الذي فعل هذا الفعل الخبيث سبعون ألف إنسان .


هذا يحيى عليه السلام نبي كريم على الله ، لم يكن هينا على الله ، الله تعالى ما سلط عليه هذا الكافر حتى تمكن من قتله فحمل إليه رأسه لهوانه على الله بل ليزيده الله تبارك وتعالى بهذا شرفا عنده ، لذلك الآن يحيى يقال إن جسده بمكان ورأسه بمكان ، في صيداء يقال إن هناك مقاما يقال له مقام نبي الله يحيى ، الناس يزورونه ، ومكان ءاخر أيضا ، وكذلك أبوه سيدنا زكريا نبي الله قتله الكفار هذان عرفا بأسمائهما أما الذين قتلهم الكفار من الأنبياء فكثير لكن لم يعرف أسماؤهم ، الله تبارك وتعالى ما سماهم بأسمائهم ، وإنما قال { وقتلهم الأنبياء بغير حق } سورة ءال عمران /181 أي اليهود قتلوا أنبياء كثيرين .

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال الله تعالى في سورة الأعراف: " فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، ءايات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ". لم يميز فرعون وأتباعه بين المعجزة والسحر، وجعلوا جملة المعجزات التي جاء بها سيدنا موسى عليه السلام مثل انقلاب العصا حية من باب السحر، فقالوا: "مهما تأتينا بآية من ربك فهي عندنا سحر ونحن لا نؤمن بها أبدا". وكان موسى رجلا قويا ثابتا فلم يترك أمر الدعوة إلى دين الإسلام، بل دعا عليهم فاستجاب الله له.
سلط الله على "القبط" وهم أتباع فرعون الطوفان والسيول الدائمة ليلا ونهارا من سبت إلى سبت، حتى كان الرجل منهم لا يرى شمسا ولا قمرا، وكانت بيوت "القبط" وبني إسرائيل متشابكة فحصلت الأعجوبة أن بيوت "القبط" امتلأت بالمياه المتدفقة حتى وصلت إلى رقابهم فمن جلس غرق، ولم تدخل بيوت بني "إسرائيل" قطرة، وفاض الماء على وجه الأرض وركد فمنع القبط من الحراثة والبناء والتصرف، ودام عليهم الطوفان ثمانية أيام بلياليها، فقالوا لموسى: " أدع لنا ربك يكشف عنا فنؤمن بك"، فدعا موسى ربه فرفع عنهم الطوفان، وأرسلت الرياح فجفت الأرض وخرج من النبات ما لم يروا مثله قط، فقالوا لموسى عليه السلام: " لقد كان الذي خفنا منه خيرا لنا لكننا لم نشعر، فلا والله لا نؤمن بك" فنكثوا العهد. بعد نكثهم للعهد، بعث الله تعالى عليهم الجراد بالآلاف، حتى صارت عند طيرانها تغطي الشمس، فأكلت عامة زروع " القبط" وثمارهم حتى انها كانت تأكل الثياب والأثاث والسقوف والأبواب فتهدم ديارهم، ولم يدخل دور بني "أسرائيل" منها شيء فضاق على " القبط" الحال ووعدوا " موسى" عليه السلام أن يؤمنوا ويتوبوا لو كشف عنهم الجراد، فخرج موسى إلى الفضاء وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت الجراد إلى النواحي التي جئن منها وكشف عنهم الضيق سبعة أيام.
وكان قد بقي من زروع القبط شيء ، فقالوا من خبثهم : "يكفينا ما بقي من الزرع " ولم يؤمنوا، فأقاموا شهرا على رخائهم وكان في محلة في مصر اسمها "عين شمس" تلة كبيرة من رمل فضربها "موسى " عليه السلام بعصاه فصارت " قمل " أي حشرات صغيرة تشبه السوس الذي في الطحين عندما يفسد ، وطار هذا " القمل " فأكل دواب " القبط " وزرعهم التي بقيت ولم يبق عود أخضر إلا اكلته ، والتصقت بجلودهم كأنها " الجدري " عليهم ، ومنعهم النوم والقرار ، وانتشر في مصر كلها فأكل ما أبقاه الجراد ولحس الأرض وكان يدخل بين جلد " القبطي " وقميصه فيؤلمه، ويدخل إلى الطعام فيملأ الأوعية والأواني ليلا" ، ويسعى في بشراتهم وشعورهم وحواجبهم وأهداب عيونهم ، فضّجوا وبكوا وقصدوا "موسى " عليه السلام ، ووعدوه أنه إذا دعا ربه سبحانه وتعالى ليكشف عنهم فإنهم سيؤمنون ويتوبون ، فدعا " موسى " فرفع عنهم وأرسل الله على " القمل " ريحا حارة أحرقتهم وحملتهم الرياح وألقتهم في البحر . لكن الوقت ما طال حتى قال " القبط " لعنهم الله : قد تحققنا يا " موسى " إنك ساحر ، وعزة " فرعون " لا نصدقك أبدا ، فأرسل الله عليهم " الضفادع " فملأت فرشهم وأوعيتهم وطعامهم وشرابهم ، ورمت بأنفسهم في القدور وهي تغلي ، وإذا تكلم " القبطي " وثبت ودخلت إلى فمه ، فشكوا إلى " موسى " وقالوا :" نتوب توبة صادقة ولا نعود" ، فأخذ عليهم المواثيق والوعود والعهود ، ثم كشف الله عنهم ذلك ، وأمات " الضفادع " وأرسل عليهم المطر وحملها إلى البحر . ثم عاد " القبط " إلى كفرهم كعادتهم ونقضوا العهد ، فأرسل الله عليهم " الدم " وجعل النيل يسيل عليهم دما ، وكان الشخص المسلم من بني إسرائيل من قوم " موسى " يرفع من النيل الماء ، وأما " القبطي " فيرفعه دما ، ثم يأتي المسلم فيصب الماء في فم " القبطي " فيصير دما ، ويأتي " القبط " ويصب الدم في فم المسلم فيصير ماء زلالا لذيذا . وعطش " فرعون " حتى شارف على الهلاك فكان يمص الأشجار الرطبة فإذا مضغها صار ماؤها الطيب مالحا بشع الطعم . وكان بين الآية والآية أسبوعا من الزمن فكانت تمكث من السبت إلى السبت ثم يبقون بعد رفعها شهرا في عافية ثم تأتي الآية الأخرى . وكانت الحكمة في تفصيل تلك الآيات البينات بالزمان أنه تظهر للجميع أحوالهم ، هل يفون بما عاهدوا أم ينكثون ، فتقوم عليهم الحجة ، ثم وقع عليهم " الرجز " وهو طاعون نزل بهم حتى مات منهم في ليلة واحدة سبعون ألف " قطبي " .

 

 

 

جديد الموقع New

Go to top